ترك الشيخ رابح سعدان (63 سنة) بصماته في كل نهائيات كأس العالم التي شارك فيها أكابر ''الخضر''. وإذا كان سعدان لم يكن المدرّب الأول عندما شارك المنتخب الجزائري في مونديال إسبانيا عام 1982، فإنه كان المسؤول الأول عن العارضة الفنية لـ''الخضر'' في مونديال المكسيك عام 1986، كما كان المدرّب الذي أشرف على الفريق الجزائري للأواسط، حين شارك في مونديال اليابان عام .1979 ورغم أنه افتخر، على غرار زملائه، بملحمة خيخون في مونديال إسبانيا لكونه كان عضوا شابا في الطاقم الفني الذي أشرف عليه المدرّب القدير محيي الدين خالف، إلا أن سعدان لم يستطع إخفاء كل مشاعره التي تكتم عنها لسنوات، ولم يكشف عنها لكونه كان يوجد تحت ما يسمى بواجب التحفظ، معترفا لـ''الخبر''، أنه تعرض وقتها إلى التهميش، وأيضا إلى ما سماه بتحجيم دوره في العارضة الفنية، برغم أنه ظل معتزا بالإنجاز وأيضا بكونه كان أحد مهندسي التكتيك الذي سمح لـ''الخضر'' بقهر الألمان. وبخلاف مونديال إسبانيا، فإن سعدان احتفظ بذكرى سيئة للغاية عن مونديال المكسيك، الذي سببت له نتائج مشاركة ''الخضر''، صدمة ليس فقط لنفسه وإنما أيضا لعائلته، مثلما أكد عليه المدرّب عندما فتح قلبه في لقاء مع الصحفيين، حين نزل ضيفا على جريدة ''الخبر''. وفي نفس المناسبة، كشف سعدان عن حجم الضغوط التي تعرض لها آنذاك لتحديد خياراته للتشكيلة، وهي الضغوط التي أثرت على الحالة النفسية للاعبين، مما انعكس على النتائج، في تقدير، ابن مدينة باتنة.
وقد دفعت الآثار النفسية، التي عانى منها المدرّب سعدان، الذي يحمل شهادة دكتوراه، إلى الهجرة إلى المغرب، حيث درب الرجاء البيضاوي. وقد شاءت الصدف أن يتوج الرجاء تحت إشراف سعدان بكأس أندية أبطال إفريقيا بوهران في اللقاء، الذي جمع الرجاء بمولودية وهران ثلاث سنوات بعد مغادرته للجزائر مضطرا، حيث انتزع الكأس من ممثل الجزائر، وقد رفض سعدان وقتها تفسير التتويج إلا بما وصفه بالعدالة الإلهية التي جاءت، بحسبه، لتؤكد للجماهير الجزائرية، التي غالطها خصومه، أنه ليس مدربا ''صغيرا'' في صورة رد صريح على مناوئيه الذين أرادوا أن يصوروه للجمهور أنه لا يفقه شيئا في كرة القدم، كما لم يخف قلقه عندما أصبح موضوع سخرية وسط خصومه الذين كانوا يعيبون عليه تبرير الإخفاقات بالارتفاع الذي كان سعدان يعتبره معوقا للعب، وقد دعا هؤلاء، بالمناسبة، إلى الإطلاع على القرارات الأخيرة لـ''الفيفا'' عندما منعت إقامة المقابلات الرسمية في مناطق عالية.
وبرغم تأكيده على عدم العودة إلى العارضة الفنية لأكابر ''الخضر''، من أي باب لسنوات، بدعوى خشيته من التعرض إلى صدمات نفسية مماثلة، إلا أنه وافق في النهاية على تدريب ''الخضر''، من باب الواجب الوطني، حتى وإن كان ذلك، بصورة مؤقتة، في نهائيات كأس أمم إفريقيا في دورة تونس، عام (2004) قبل أن يصبح مدربا دائما لـ''الخضر'' بعد إلحاح، محمد روراوة، عليه، إثر انتخاب هذا الأخير رئيسا للفاف. ويبقى التأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا عام (2010) أفضل وأروع الإنجازات التي يحق للمدرب سعدان أن يفتخر بها لكون التأهل جاء وسط صخب إعلامي وضغط نفسي غير مسبوقين، وبدون شك، فإن التأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا يبقى إنجازا تاريخيا وفريدا من نوعه لكونه شهد حالة تعبئة وتضامن بين أبناء الوطن الواحد ورافقه دعم سياسي للجمهور عندما نظمت السلطات العمومية جسرا جويا لنقل الأنصار، وكل هذه الأحداث تبقى راسخة في ذاكرة سعدان والجيل الجديد من الشباب الذين دربهم.
ويشكل التأهل قفزة نوعية بالنسبة لمشوار سعدان، الذي ستتعاظم أسهمه، بحكم أنه المدرّب الأول الذي أشرف على ''الخضر'' في التصفيات منذ بدايتها وأيضا لكون التأهل خطف من ''الفراعنة'' في أرض محايدة، بعدما خرجوا ناجين من اعتداءات القاهرة وسط ظروف هيستيرية، قبل اللقاء الذي يبقى مسجلا في أرشيف الاتحادية الدولية، التي لم تخف أن اللقاء أقيم تحت أعلى درجات الحيطة الأمنية دون أن تعترف صراحة بعدوانية أبناء ''النيل''، فألف تحية إليك يا شيخ الشيوخ.
0 تعليقات حول الموضوح:
إرسال تعليق